كيف لدولتين متجاورتين أن تتعرضا لأزمتين متعاكستين بهذا الشكل؟
كتبت: حنين أبو الرب
رئيس قسم الإعلام – المركز الوطني للعدالة البيئة
نعيش في وقتنا الراهن قمة الأزمات المناخية التي ضربت كوكب الأرض في حالة من التناقض الذي لم يعد مفهوما ولا منطقيا لا في أحداثه ولا الأشكال التي يأخذها وبالتالي حدوث الأزمة المناخية بسببها، ومن الطبيعي أن نقول أنها أحداث متناقضة، فكيف لدولتين متجاورتين أن تتعرضا لأزمتين متعاكستين بهذا الشكل؟
كيف تغرق باكستان بفياضات قضت على 30 % من مقدراتها وقتلت نسبة كبية من سكانها، في حين تعيش الصين موجة من الجفاف حيث تعاني من أسوأ موجة حرارة لها منذ عقود، الأمر الذي أدى إلى إجهاد إمدادات الطاقة لديها، وبالتالي تعيش مناطق مختلفة موجات حرارة قياسية وسط موجات جفاف شديدة.
وأدت درجات الحرارة الحارقة إلى تعطيل نمو المحاصيل وتهديد الثروة الحيوانية وفقدان الأراضي الزراعية وموسم أعاد للأذهان بداية أزمة كورونا كوفيد 19 وكيف تم عزل الصين عن العالم.
وفي حين يعوم الناس على انهار من المياة والطين في باكستان ومنهم من نجى بعائلته على قارب صنعه من خشب عائم ناتج عن بيوت دمرتها المياه، نجد في الجانب الآخر ارتفاع في درجات الحرارة وصلت أحيانا إلى 39-42 درجة مئوية في مقاطعة تشجيانغ الشرقية ومدينة شنغهاي (الساحل الأوسط للصين) وجيانشي (جنوب الصين) وفوجيان (جنوب شرق الصين).
تغير المناخ
السبب في كل ذلك هو تغير المناخ الناتج عن انبعاثات الكربون، فقد أصبحت الصين خلال العقدين من النمو السريع الذي حققته، والإكتساح العالمي الصناعي والتجاري أكبر مصدر للتلوث في العالم، مع نفايات من ثاني أكسيد الكربون تتجاوز حسب مصادر مختلفة الـ 100 مليون طن، فهي تساهم بأكثر من 30 % من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية مقارنة بـ 15% في الولايات المتحدة، و 5% من روسيا و3 % من اليابان.
وتعد الصين الأعلى في كثافة الكربون في العالم، ما يعني أن الزيادة في الإستخدام للطاقة وأنواع الوقود الملوثة وبالتالي الإنبعثات من الغازات الدفيئة مستمرة بلا رقابة أو سيطرة أو لنكن أكثر وضوحا بلا رغبة حقيقية بالتغيير.
وعلى ضوء اتفاق باريس للمناخ، 2015، فقد بلغ عدد الدول الموقعة على الاتفاقية 194 دولة، وبما أن الصين والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند الدول المسؤولة عن 87% من انبعاثات الغازات الدفيئة، وكون الصين أكبر مصدر في العالم لانبعاثات الغازات الملوثة (ما يقارب ربع الانبعاثات على مستوى العالم)، فقد تعهدت للمرة الأولى بأن تحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول العام 2030 بالحد الأقصى، بعدما ظلت تمانع تعهدا كهذا بداعي ضرورات التنمية فيها.
بينما اختارت الولايات المتحدة الإنسحاب من الإتفاقية.
والصين أكبر مستهلك للفحم في العالم، وهي أكثر مصادر الطاقة تلوثا، ولكنها في المقابل أكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة، وقد أعلنت عزمها تخفيض انبعاثاتها من الكربون بنسبة تراوح بين 60 و65 % بحلول العام 2030 مقارنة مع ما كانت عليه في العام 2005.
حماية كوكب الأرض
في ما قد يبدو وكأنه مفارقة لا منطقية الا أن هذه الظواهر المناخية شديدة الاختلاف تتأثر بالتغير المناخي، فتقفز من الأجواء الأكثر حرا وجفافا لتصبح الأكثر رطوبة وأمطارا، لتشكل معا كارثة مناخية بشرية تأثيرها مستمر ولا حدود له بلا حلول جذرية وإيمان حقيقي بضرورة تحقيق العدالة المناخية واحترام المعاهدات والإتفاقيات الدولية وبالتالي الإلتزامات التي من شأنها الحد من التغول البشري على هذه الكوكب ومقدارته ومنحه حقه أن يستعيد قواه ويتنفس من جديد. فضلا عن انعكاسه على الفئات البشرية الاكثر هشاشة وتضرر.
ولو أردنا أن نكون أكثر صدقا ووضوحا فإن معظم دول العالم لم تلق بالاً لكل الإنذارات التي أطلقتها الجماعات والحركات البيئية والمناصرة لحماية كوكب الأرض والمناخ، وبالتالي لم تعتبر أي من التحذيرات مسألة جدية وحقيقية الا بعد فوات الآوان، وهو الامر الذي يدق ناقوس الخطر الذي ينادي به العلماء والخبراء البيئين وبشكل دوري
ولنصل إلى عدالة بيئية ومناخية علينا أن ننظر دائما إلى ما تحتاجه الأرض لكي يعيش البشر، وليس العكس الذي يعتبر للأسف قانون البقاء في وقتنا الراهن.
كتبت: حنين أبو الرب
رئيس قسم الإعلام – المركز الوطني للعدالة البيئة