بعد مرور 50 عام على اعلان ستوكهولم هل ما زلنا لا نملك سوى ارض واحدة، هو ذلك السؤال والتساؤل الذي ما زال يصارع نفسه بين الواقع والطموح والمأمول
بقلم الدكتور محمد عيادات
رئيس المركز الوطني للعدالة البيئية NCEJ
بعد مرور 50 عام على اعلان ستوكهولم هل ما زلنا لا نملك سوى ارض واحدة، هو ذلك السؤال والتساؤل الذي ما زال يصارع نفسه بين الواقع والطموح والمأمول، بين الليبرالي والرأسمالي والتنموي ، وبين من يعرف ومن ويجهل ومن يتجاهل، بين المشكك والمتشكك، بين من يؤيد ويعارض، بين المناصر المدافع وبين المعارض المتعارض، هو ذاك الصراع بين الأجيال الذي لم ولن ينتهي.
في الفترة الممتدة ما بين عامي 1968-1969 خلصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 23/2398، وقرار رقم 24/2581، إلى عقد مؤتمر عالمي في عام 1972 يكون مقره مدينة ستوكهولم السويدية يمثل وسيلة عملية لتشجيع وطرح المبادئ التوجيهية لحماية وتحسين البيئة البشرية ومنع الإخلال بها، ومن الغايات الرئيسية للمؤتمر كانت إقرار إعلان بشأن البيئة البشرية ليشكل وثيقة مبادئ أساسية.
ونشأت فكرة المؤتمر من واقع اقتراح مقدم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وتولت إعداده اللجنة التحضيرية للمؤتمر عام 1971، فيما أوكلت الصياغة الفعلية للنص إلى فريق حكومي دولي عامل، وعلى الرغم مما ساد من اتفاق عام حول الإعلان الا انه لم يصاغ في لغة ملزمة قانوناً، فقد كان التقدم بشأن الإعلان بطيئاً بسبب الاختلافات في الرأي فيما بين الدول إزاء درجة تحديد المبادئ والتوجيهات الواردة في الإعلان، وبشأن ما إذا كان الإعلان سوف يعترف بحاجة الفرد الأساسية إلى بيئة مرضية، أو إذا كان سيضم مبادئ عامة توضح حقوق والتزامات الدول فيما يتصل بالبيئة.
الإعلان
وبحلول عام 1972 في شهر كانون الثاني، إستطاع الفريق العامل أن يعد مشروعاً للإعلان، على الرغم من أن هناك ثمة أطراف إرتأت التأجيل بحجة الحاجة إلى المزيد من العمل، إلا أن اللجنة التحضيرية لم تشأ المساس بالتوازن الدقيق الذي قام عليه النص التوافقي فكانت أن عزفت عن أي إستعراض فني للنص وبادرت إلى تقديم مشروع الإعلان مؤلف من ديباجة و23 مبدأ إلى المؤتمر, وبناءً على طلب الصين قام فريق عامل خاص بمعاودة إستعراض النص، وخفف النص إلى 21 مبدأ مع صياغة 4 مبادئ جديدة، كما تم حذف نص مشروع مبدأ بشأن (الإعلام المسبق) بناءً على إقتراح البرازيل، ومن ثم تم إحالة الإعلان إلى الجمعية العامة لمزيد من النظر فيه، وفي 16/ حزيران من عام 1972، إعتمد المؤتمر هذه الوثيقة بالتزكية وأحالته مرة أخرى للجمعية العامة.
وفي خلال المناقشات التي دارت في اللجنة الثنائية التابعة للجمعية العامة أعرب العديد من البدان عن عدة تحفظات إزاء عدد من الأحكام ولكنها لم تعارض بصورة جذرية الإعلان ذاته، ومنها جمهوريات الإتحاد السوفييتي وحلفائه، وفي نهاية المطاف أعتمد الإعلان بأغلبية 112 صوتاً ضد لا شيء مع إمتناع (10) أعضاء عن التصويت .
وفي أثناء إنعقاد مؤتمر ستكهولم وبمقتضى القرار رقم (2916) المؤرخ في 15/2/1972 تم صدور إعلان ستكهولم الذي جاء في ديباجة وستة وعشرون مبدأ، ويعتبر هذا الجهد الدولي الأول من نوعه في وضع الخطوط العريضة لحماية البيئة وعلاقتها بالإنسان والمحيط، كما يعتبر أول وثيقة دولية تعترف بحق الإنسان في بيئة سلمية كحق عالمي وبشكل مباشر، كما تمثل مبادئه نظاماً بيئياً عالمياً يعتمد عليه لتنظيم أنشطة الدول مستقبلاً في مجال البيئة.
وعلى الرغم من ان الإعلان إفتقر الى عنصر الإلتزام في ما جاء بأحكامه وفي مواجهة الدول كما ذهب إليه الكثير من الفقهاء الدولين، إلا أن قيمته المعنوية والأدبية فيما تضمنه الإعلان من مبادئ هامة كرست الكثير من قواعد القانون الدولي التقليدي حيث يعتبر هذا الإعلان الخطوة الأولى لوضع مبادئ عرفية يرتكز عليها القانون الدولي البيئي العرفي.
برنامج الأمم المتحدة البيئية (UNEP)
ومع إزدياد تفاقم القضايا البيئية والتي تخطت حدود الجغرافيا للدول، سارعت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء برنامج الأمم المتحدة البيئية (UNEP) ، الذي أنشأ بقرار الجمعية العامة رقم 2997/د/27 بتاريخ 15/كانون أول/1992 وأعتبر الصوت البيئي للأمم المتحدة، ومن أهم أهدافه الرئيسية تسيير التعاون الدولي في مجال البيئة وتجسيد مبادئ ستكهولم والإتفاقيات المعنية بالشأن البيئي، والتي تعطي دفعاً جديداً نحو نظم الإدارة البيئية والتنفيذ والرقابة، وتوفير الموارد المالية والحث على تفعيلها على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
ومع بداية عمل البرنامج عمل على توحيد الجهود الدولية لمعالجة القضايا البيئية الدولية بصورة إبرام المعاهدات والإتفاقيات الدولية ذات الإختصاص البيئي، كما ساهم البرنامج في إعداد خطط العمل من أجل البيئة، وأسس الهيئة الحكومية للتغيرات المناخية بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وخطط البرنامج إلى وضع الإستراتيجيات لتعزيز التكنولوجيا وبناء القدرات وبرنامج مكافحة إزالة وتدهور الغابات والتغيرات المناخية.
وأطلق البرنامج فكرة ربط العمل البيئي بالتنمية القابلة للإستمرار، مما أدى إلى إنشاء اللجنة الدولية للبيئة والتنمية والمعروفة بإسم لجنة التنمية المستدامة والذي أقرها المجتمع الدولي في مؤتمر ريو لعام 1992، إذ شكلت هذه اللجان والهيئات التابعة للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان والبيئة منظومة دولية في تقرير إحترام تلك الحقوق في توافق إداري داخل تلك المنظومة لحماية البيئة وربطها بالتمنية المستدامة وتكريس حقوق الإنسان البيئية.
البيئة البشرية
من ذلك التاريخ اصبح إعلان ستوكهولم يشكل محاولة لصياغة نظرة عامة وأساسية على الاسلوب الذي يتييح التصدي لتحدي الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها ما نحا بهذا الحق بعداً جديداً من حيث ترسيخه في الوعي الفردي والجماعي وعلى المستوى الوطني والدولي.
وكان هذا المؤتمر ضربة البداية لسباق تكريس الحقوق البيئية على مستوى النصوص والصكوك وآليات العمل الدولية التي يترجمها على أرض الواقع إطار قانوني دولي للبيئة يجعل من الإنسان مواطناً عالمياً لا ينحصر حقه في العيش في بيئىة نظيفة وسليمة على رقعة جغرافية بعينها، بل يعطيه إمتداداً في الزمان من حيث الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية والموارد القابلة للنضوب أو الأجناس المهددة بالإنقراض من جهة، وبروز مفهوم حماية البيئة الطبيعية كمفهوم قانوني قابل للحماية كمصلح قائم بذاته من جهة ثانية.
منذ ذلك التاريخ إستعملت كلمة Environment لأول مرة في شكلها القانوني في مؤتمر ستوكهولم عام 1972، بدلاً من مصطلح الوسط الإنساني أو البشري Milien Humen ونظراً لكون البيئة قد أصبحت عرضة للإستعمال غير الرشيد ومع ميلاد الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإدخال الملوثات الكيميائية ونفايات المصانع، أصبحت الحاجة ملحة لقواعد قانونية لضبط سلوك الإنسان في تعامله مع بيئته على نحو يحفظ توازنها الإيكلوجي، وإيجاد النصوص القانونية لحماية البيئة.
المحصلة
منذ إنعقاد مؤتمر ستوكهولم للبيئة والذي كرس المفاهيم المرتبطة بالبيئة والارض والموارد وكرس حق العيش في بيئة سليمة ومواتية وفي بيئة ذات نوعية تتيح العيش في حياة كريمة وسليمة، والعالم يتقدم خطوة ويتراجع خطوات، وما زالت قضية البيئة من أخطر مشاكل العصر الحديث التي تحتاج الى إهتمام خاص ومستمر ، كما و تعد من المشكلات المتعددة الأوجه والأبعاد وتتميز بأنها ذات طبيعة تراكمية تكونت عبر السنين في محصلة التفاعل بين عوامل عديدة سياسية وإقتصادية وإجتماعية يتعلق بعضها بالإنتاج والتطوير، والبعض الآخر يرتبط بالإستهلاك وأنماطه، فتجاهل الأبعاد الإنسانية لللبيئة أو القيود التي تفرضها الطبيعة على العمليات التمنوية في غمرة الإهتمام بالتراكم الرأسمالي، أدى الى حدوث العديد من المشاكل البيئية التي أصبحت على درجة كبيرة من الخطورة، مما أدى الى ظهور ما يسمى بالمشاكل الإيكولوجية العالمية أو المشاكل الكونية التي نشهدها اليوم وبكل وضوح.
إعلان ستوكهولم للبئية ليس مجرد وثيقة تاريخية وحسب انما هو خارطة طريق كونية تمتد بامتداد العمر البشري، الى ان يرث الله الارض ومن عليها.
منذ ذلك التاريخ والسؤال مطروح ( هل ما زلنا لا نملك سوى ارض واحدة ؟) وان كان السؤال لا يرتب مسؤولية على المتسائل فهل نجد الجواب المسؤول ممن يقع عليه عبئ المسؤولية…