مندوبا عن المركز الوطني للعدالة البيئية شارك الدكتور محمد عيادات الرئيس التنفيذي للمركز كمتحدث رئيس في فعاليات المؤتمر العربي الخامس للمياه المنظم من قبل وزارة البيئية والمياه والزراعة السعودية وبالتعاون مع جامعة الدول العربية بحضور العديد من اصحاب القرار والمصلحة والخبراء من كافة اقطار الوطن العربي والذي عقد في الفترة ما بين 22-23 نوفمبر – 2023 في المملكة العربية السعودية، حيث جاء انعقاد هذه المؤتمر ضمن فعاليات انعقاد الدورة الخامسة عشر للمجلس الوزاري العربي للمياه تحت عنوان ” التنمية المستدامة في المنطقة العربية الهدف السادس- التحديات والفرص.
تقدم الدكتور عيادات بورقة بحثية ضمن محور الجلسة السادسة المتضمنه دور الاطار المؤسسي والقانونوني لاستدامة مصادر المياه وخدماتها وجاءت الورقة بعنوان “لأطُر المؤسسية والتشريعية الناظمة لحماية الموارد المائية في منطقة الخليج العربي والأردن – دراسة مقارنة تحليلة –
حيث تضمنت الورقة تسليط الضوء على الاطر التشريعية والمؤسسية الناظمة لحماية الموارد البيئية في مناطق دول الدراسة ومحاولة تحليلها بمنهج علمي كمي ونوعي من خلال جمع البيانات التي استطاع الباحث الوصول إليها وتحليلها (والتي كانت من أبرز التحديات التي واجها الباحث لعدم وجود مرجع مؤسسي موحد للإستناد إليه في جمع البيانات البيئية عموما وتفرعاتها بشكل مستقل ومنظم، والمائية بشكل خاص) وذلك من اجل ابراز نقاط القوة والضعف والقدرة على التنسيق المشترك لادارة قطاع المياه في المنطقة وتحليل النصوص التشريعية وفق تصنيف الجرائم المعتمد في كل دولة و مواربتها ومقارنتها في مابين الانظمة القانونية لدول الدراسة لبيان مدى التناسق و\أو التعارض مابين تلك النصوص والعقوبات الناتجة عنها كونها تعتبر من مــن بيــن أكثــر مناطــق العالــم نــدرةً فــي الميــاه ولا سيما دول منطقة الخليج والمملكة الاردنية باعتبارها مناطق تقع جغرافيا فيما يسمى بالمناطق الجافة حيث تعتبر المنطقة العربية هي الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، اذ تقع 19 دولة من بين 22 دولة عربية في نطاق شح المياه. وتحصل 21 من 22 دولة عربية على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود، ومن هنا لا بد من تكثيف الجهود الرسمية وتشيع الابحاث العلمية للوصول الى انجع الحلول لادراتها وتنميتها سواء على المستوى المحليي او الاقليمي التشاركي
وابرزت الدراسة اهم التحديات البحثية سواء على صعيد التقنين او التجريم والعقوبات المقررة لحماية الموارد المائية واوضحت الدراسة وجود العديد من الثغرات سواء على الصعيد التشريعي او المؤسسي والتي كانت من اهمها عدم توافر تشريعات جامعة وشامله للموارد المائية بصيغة قانون موحد، فضلا عن ضعف انفاذ المتواجد منها، مما يجعل التشريعات القائمة غير متماشية مع المتغيرات الناتجة عن تراكم الضغوط على مصادر المياه المتاحة، كما اشارت الورقة الى تحدي اخر مرتبط بنقص وندرة البيانات والاحصاءات القانونية المتعلقة بالجرائم والاعتداءات الواقعة على الموارد المائية نتيجة التفاوت الكبير في الاساليب المعتمدة في قياس البيانات والتجريم وتصنيف القوانين ومرجعيتها وجمعها وتحليلها، مما افرز الكثير من الاشكالات القانونية في حال انفاذها.
و نتيجة لعدم وجود تحليل تصنيف دقيق للجرائم والاعتداءات الواقعة على الموارد المائية وتحليلها بنموذج علمي كمي ونوعي واحصائي سواء من حيث تحديد نوع الجريمة ( جناية ، جنحة، ومخالفة) او تحديد اركان الجريمة المادية والمعنوية ، فقد ابرز عيادات اهمية تكريس الجهود القانونية المقارنة من قبل الباحثين لسد الفجوة في ندرة الدراسات القانونية التحليلية للاطر التشريعية والمؤسسية الناظمة لحماية البيئة بشكل عام وتخصيصها للمسائل المتعلقة بها على وجه الخصوص (وهي على كثرتها) والتي من بينها الدراسات القانونية المرتبطة بحماية الموارد المائية.
كما سعت الدراسة الى تقديم الإرشادات بشأن كيفية تطوير الأطر المؤسسية والقانونية لإدارة قطاع الموارد المائية وتقويمها وتفعيلها من أجل تحقيق مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية وأهدافها. وتستند الدراسة إلى واقع الأطر المؤسسية والقانونية القائمة ضمن خطط واستراتيجيات الإدارة المتكاملة للموارد المائية في تلك البلدان ، كما أكدت الدراسة على تفعيل دور المجلس الوزاري العربي للمياه التابع لجامعة الدول العربية باعتبارها هيئة مؤسسية عليا لاتخاذ و صنع القرار في هذا الشان وخلق البيئة المواتية لتنفيذ السياسات المشار إليها وعلى ضمان التنسيق والتعاون على المستوى الاقليمي بالاضافة الى أهمية إنشاء هيئة مؤسسية على المستوى اللامركزي تقوم بمتابعة سير عملية تنفيذ السياسات والتشريعات المائية ومراقبتها عن كثب، والربط بين المجلس الإقليمي للمياه) على المستوين المركزي واللامركزي)، وتحديد المشاكل والأهداف بطريقة مباشرة وواقعية، بمشاركة الجهات المعنية المختلفة بما يعزز فرص نجاح عملية الادارة اللامركزية لقطاع المياه . ويتوقف نجاح هذه الإجراءات في بلدان المنطقة على الخصائص السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتباينة في كل من هذه البلدان. كذلك، عرضت الدراسة المقارنات القانونية والتشريعية لادارة الموارد المائية ، باتباع اسلوب البحث التحليلي للاطار المؤسسي والتشريعي الناظم لحماية الموارد المائية كدراسة مقارنه في منطقة دول الخليج والمملكة الاردنية باعتبارها جزءا من مفهوم الادارة المتكاملة للمياه واوصت الدراسة بمراجعة الاطر المؤسسية والتشريعة الناظمة لادارة قطاع الحوكمة المائية في تلك البلدان لتتوائم وتتوافق مع اهداف حقوق الانسان المائية واهداف التنمية المستدامة وخاصة المبدأ السادس كما اوصت الدراسة بتفعيل دور مراكز الدراسات القانونية البيئية والمائية .
وفي سياق الدراسة ايضا عرض الدكتور عيادات، العلاقة بين القانون الدولي لحقوق الانسان والحقوق المائية والاعتراف الدولي الصريح والضمني للحقوق المائية وابراز مفهوم الامن المائي وارتباطه باهداف التنمية المستدامة والجهود والمبادرات الدولية والاقليمة لإقرار الحقوق المائية سواء جهود منظومة جامعة الدول العربية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030 والاستراتيحيات المشتركة ذات الارتباط المباشر بالامن المائي الدولي والاقليمي والمحلي ، فضلا على ىسليط الضوء على بنية الاطر القانونية والسياسية المحلية لدول الدراسة ، حيث تبين أن جميع الدول عينة الدراسة، لم يرد في دستورها (النظام الأساسي) أي إشارة صريحة إلى تمتع المواطنين بالحقوق المائية، وإنما جاءت الإشارة إليه ضمن مواد أخرى مثل: النص على عدم التمييز بين المواطنين وتكافئ الفرص، النص على حقوق المواطن في الملكية العامة او الخاصة باعتبار الحق في المياه من ضمنها النص على حقوق الرعاية الصحية والصحة العامة، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما نصت بعض الدساتير بشكل مباشر على حماية البيئة وتوازنها الطبيعي مثل الدستور القطري في المادة (33)، والدستور السعودي المادة (32)، والدستور العماني في المادة (12).
ومن خلال تحليل الاطار التشريعي الناظم لحماية الموارد المائية في دول الدراسة تبين أن مجموع العقوبات الواردة على قطاع إدارة المياه، والتي تمكن الباحث من جمعها كعينة للدراسة، بلغت 100 عقوبة، موزعة على 14 جناية، و 84 جنحة، ومخالفتين، وقد احتلت الأردن النسبة الأكبر من عدد العقوبات والتي جائت أغلبها بصفتها الجنحوية، بينما كانت دولة الكويت هي الأقل تجريما للمياه، حيث لم تشتمل سوى على عقوبتين جنحويتين، كما لم يرد في التصنيف العقوبات الواردة في التشريعات السعودية وذلك بسبب اعتمادها نظاما خاصا لتصنيف الجرائم يختلف عن باقي الدول، واعتمدت على التجريم على اللوائح التنظيمية.
وفي الجانب التشريعي ايضا فقد تبين تبني الدول للعدد الكبير للقواانين والانظمة واللوائح الناظمة للموارد المائية وهي ان كانت في جوانب كثيره منها على درجة عالية من الاتقان التشريعي الا ان المشكلة لا تكمن في اقرار القوانين ولا في عددها بل في تمكاسكها وتكاملها وعدم تناقضها لذا تبين من خلال التحليل الاطار التشريعي الناظم لادارة المياه في دول الدراسة العديد من الثغرات القانونية وتضاربها في احيان اخرى مما افقدها قوتها التظيمية والرقابية وقد سبب ذلك تشتت في جهود التقاضيي، اذ لا بد من اعادة صياغة وازالة التعارض بين قوانين المياه والإطار التنظيمي لها لتحديد التعديلات التي يجب إجراؤها لردع هدر المياه ولتحسين الاستخدام الكفء لهذا المورد. فعلى سبيل المثال، يجب أن تنص قوانين المياه على وجوب تسجيل وتنظيم جميع الآبار داخل كل بلد، ومراقبة استخراج المياه الجوفية، ومنح حقوق استخدام المياه التي تتيح للسلطات تقييد الكميات المستخرجة ضمن حدود الإنتاجية المأمونة. ويجب أن تنشئ هذه القوانين جهازا تنظيميا قويا له سلطة تنظيم استخراج المياه وتحديد حقوق استخدام المياه. كما يجب أن تنشئ هذه القوانين إطارا قانونيا لاعتماد لوائح تنظيمية بشأن كل الأمور المتعلقة باستخدام المياه، بما في ذلك معايير حفر الآبار، وكفاءة الأجهزة التي تستخدم المياه، ونقل المياه، ورسوم المياه وطرق تحصيلها، ونوعية المياه، وتجميع المياه المستعملة ومعالجتها وتصريفها أو إعادة استخدامها، واشتراك مستخدمي المياه، وغيرها..
وفي سياق تقييم عام للإطار المؤسسي الناظم لحماية الموارد المائية في دول عينة الدراسة فقد اوضحت الدراسة مواجهة دول الخليج العربي مأزقا حقيقا في تأمين مواردها المائية التي بدأت تشح وتنضب تدريجيا لعوامل طبيعية، وبشرية، وتعتبر الظروف المناخية في بلدان مجلس التعاون الخليجي من بين أقصى الظروف المناخية في العالم فضلا عن محدودية الموارد المائية السطحية، وهذه التحديات وغيرها قامت الدول باستغلال افضل مواردها المائية لتحسين الوضع المائي في البلاد وزيادة الطلب عليه، فكما تبين فان كل دولة عمدت الى اقرار قوانيها واستراتيجياتها من خلال مؤسساتها المتعددة الرسمية وغير الرسمية الا ان المؤشرات لم تكن ايجابية في كل الانظمة ولم تكن في احسن حالها في الدول الاكثر نموا، فغالبية الدول لم تعتمد نهجا متكاملا ازاء تخطيط وتنمية وادارة مواردها المالية، حيث أدى استخدام المياه المحلا لأغراض امدادات مياه الشرب والاستخدامات الصناعية، وترك المياه الجوفية عالية القيمة في معظم الحالات لري المحاصيل الزراعية، والذي لابد من دمج قطاع المياه في خطة عامة تشمل المياه الجوفية والمياه المحلاة والمياه المستعملة للمعالجة من أجل تحقيق الإستخدام الأمثل لكل مورد منها، لأجل تحقيق أعلى منفعة اقتصادية واجتماعية لكل بلد.
وتقدمت الدراسة باهم النتائج والتوصيات والتي كان من ابرزها
- من أجل وضع خطط مياه رئيسية وحكومتها تستند إلى بيانات دقيقة ويعول عليها، لا بد من إيجاد نظام معلومات موحد وسهل الوصول إليه عن المياه فهو ضرورة لا غنى عنها. ففي بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي، توجد فجوات هامة في البيانات، أبرزها ما يتعلق بكمية الموارد المائية الجوفية القابلة للاستخراج وبيانات قياسية معيارية لتوضيح مدى كفاءة إدارة المرافق. وفي كثير من هذه البلدان، تتسم الجهود المبذولة في هذا المجال بالتجزؤ والبيانات غير المتاحة بسهولة وبطريقة شفافة، وقابلة للاستخدام بالنسبة لمن يحتاجون إلى هذه المعلومات.
- يجب أن تسعى البلدان إلى إنشاء شبكة يعول عليها لجمع البيانات. ويجب عليها بعد ذلك دمج وحفظ هذه المعلومات مع البيانات التي تجمع من القطاع الخاص، والمنظمات الإقليمية والدولية، والمصادر الأخرى. ويجب أن تكون البيانات متاحة بسهولة للقطاعين العام والخاص والباحثين كلا حسب الحاجة وأن تكون صالحة لاستخدامها في إعداد النماذج الإلكترونية. ويجب التأكد من أن تقديم البيانات فيما يتعلق بالنوعية ونطاق التغطية والفترة الزمنية التي تغطيها وحداثتها واتساقها والتنسيق بين الهيئات وتدريب الموظفين محدد بوضوح ومبرمج. ويمكن أن يتمثل هذا الهيكل المتكامل في بناء نظام معلومات متكامل للموارد المائية، وذلك بربط مستويات المعلومات الخاصة بالمياه مع المعلومات التي تقوم بإعدادها الوكالات الحكومية الأخرى (الزراعة، والصناعة، والنفط، إلخ) التي تؤثر أو تتأثر من جراء القرارات التي تتخذها السلطات المعنية بشؤون المياه.
- 3- يجب على بلدان مجلس التعاون الخليجي والاردن إعادة فحص شامل لقوانينها ولوائحها التنظيمية لتحقيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية بما في ذلك المصادر التقليدية وغير التقليدية. فالأنظمة القانونية والتنظيمية مجزأة إلى حد كبير، وهي في بعض الحالات متضاربة فيما بين القطاعات المستخدمة للمياه. ويجب أن يجري كل بلد مراجعة شاملة لإطاره القانوني والتنظيمي الخاص بالمياه بهدف وضع برنامج للإدارة المتكاملة للموارد المائية .
- هناك حاجة إلى تغيير رئيسي في النموذج المؤسسي المستخدم لزيادة التركيز على إدارة الطلب على المياه من أجل مواكبة الطلب المتزايد باستمرار على المياه وتوفير المياه بطريقة أكثر كفاءة واستدامة. وتعتبر الإدارة المتكاملة للموارد المائية عاملا رئيسيا في إصلاح سياسات قطاع المياه، بما في ذلك تحسين وتطوير الاداء المؤسسي والتخطيط، والتنسيق بين القطاعات، والحفاظ على المياه، والتنظيم، والتسعير وغيرها لتحقيق حوكمة مرنة وفاعلة لقطاع المياه في كل دولة.
- يجب تحفيز وانشاء مراكز دراسات قانونية متخخصة في دراسة وجمع وتحليل بيانات التشريعات القانونية الناظمة لادراة المياه بشكل والموارد البيئية بشكل عام لتمكين الباحثين واصحاب القرار والمصلحة وراسمي السياسات لبناء المعرفة واتخاذ القرارات السليمة الناجعة في ذات الاطار