تكاد تداعيات ظاهرة التغير المناخي تطال كل شيء، ففي ظل المناخ المتطرف الذي يشهده العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط خاصة، باتت المدن والمواقع الأثرية والحضارية عرضة للدمار والانهيار، وفق خبراء.
وفي هذا السياق، ينبه خبراء بيئة ومناخ من أن مخاطر التغير المناخي لا تقتصر على حاضر ومستقبل كوكب الأرض فحسب، بل هي تطال بآثارها التدميرية ماضي الكوكب ومعالمه التاريخية الأثرية كذلك.
حذرت دراسات وتقارير صدرت حديثا من أن مدنا ومعالم أثرية ضاربة في القدم كما هي الحال في مدينة بابل الأثرية بالعراق المطلة على نهر الفرات والواقعة على بعد نحو 85 كيلومترا جنوب العاصمة العراقية بغداد، باتت معرضة للانهيار والتآكل، بفعل تضافر ظواهر التغير المناخي المتطرفة مع عوامل أخرى.
بابل تعاني
يقول الخبير المناخي وعضو الاتحاد العالمي لصون الطبيعة، أيمن هيثم قدوري، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “من خلال تصفح التاريخ البشري ومتابعة توزيع مدن ومراكز حضارات العالم القديم، يظهر واضحا اتباع مسارات المياه العذبة وانتشارها بجوار المجاري المائية والمسطحات الساحلية والحبيسة، نظرا لتوفر مستلزمات الحياة من مياه وأرض خصبة وثروات حيوانية”.
ويضيف الخبير المناخي والبيئي: “في العراق مثلا فإن مدينة بابل الأثرية التي عمرها يتجاوز 4 آلاف سنة وتضم آلاف القطع والكنوز الأثرية المنتشرة على مساحة بابل القديمة والمدن الأثرية المجاورة لها مثل بورسيبا وعقرقوف، معظم آثارها مبنية من مواد اللبن والأجر، تعاني اليوم من تآكل جدرانها وسقوط أجزاء من هياكلها بسبب ارتفاع ملوحة الأرض، نتيجة لموجات الجفاف الطويلة التي أدت لانخفاض عمود التربة الرطب واستنزاف الخزين المائي الضحل”.
كما تعاني المدينة من “الافتقار للمواسم المطرية خلال العامين الماضيين، مما أدى لانحسار المياه السطحية وابتعادها عن المواقع الأثرية لينعدم الأمل بانعاش عمود التربة عن طريق عملية الترشيح من السطح لترتفع تراكيز الأملاح في التربة”، وفق قدوري.
وتابع: “كل ذلك بفعل الارتفاع المتزايد في معدلات درجة الحرارة التي شهدها العراق في السنوات الخمس الأخيرة، فضلا عن الشح المائي الذي يضربه منذ مطلع عام 2004 بعد شروع دول الجوار بمشاريع مائية ضخمة كمشروع GAP في جنوب شرق الأناضول في تركيا، والسدود الإيرانية وتحريف مسارات روافد دجلة الشرقية لداخل الأراضي الإيرانية (…)”.
ويقول: “أما العواصف الغبارية والتي ارتفعت معدلاتها في السنوات الأخيرة، تساهم بحمل بذور النباتات الكبيرة والتي تستقر في شقوق الهياكل الأثرية بنموها يبدأ الجذر بشق طريقه عبر جدران المدينة مسببا انهيارات لأجزاء منها”.
نماذج أخرى
ولم يكن الأمر بعيدا عن بقية مدن التراث العالمي في جانب آخر من المنطقة، “مثل مدينة سواكن السودانية، التي كانت فيما مضى قبل أكثر من 3 آلاف سنة أهم موانئ البحر الأحمر واليوم يهددها خطر الغمر بمياهه نتيجة لارتفاع معدلات الذوبان الجليدي في القطب الجنوبي للأرض، وأهم شواهد ذلك بداية فقدان نهر ثويتس أجزاءً من جوانبه نتيجة الذوبان بفعل تسارع معدلات الاحترار العالمي”، بحسب قدوري.
المصدر: